محمد حفظي.. المُبدع الجريء الذي غير وجه السينما

أن تمتلك خيالاً واسعاً وقدرة على نسج هذا الخيال في نص مُبدع هو بالتأكيد أمر رائع، ولكن الأجمل أن تكون لديك الأدوات التي تمكنك من التعبير عن أفكارك ورسالتك وتحويلهم إلى عمل فني حقيقي بطريقة احترافية ومبدعة…هذا هو الحلم الذي حققه المنتج والسيناريست محمد حفظي، حيث قرر أن يضيف إلى موهبته في الكتابة، مهمة جديدة تتلخص في إنتاج أعمال فنية تساهم في إثراء صناعة السينما بشكل عام وتدعم السينما المستقلة بشكل خاص..تبدأ صناعة الفيلم وتنتهي بالمُنتج الجيد، الذي يقوم بتحويل هيكل من الفوضي إلى أفضل صورة ممكنة، وحفظي من المواهب التي أثبتت أن المُنتج ليس مجرد ممول للعمل الفني، بل جزء من كل القرارات الإبداعية، أو ربما الشخص الذي يبدأ العملية الإبداعية بأكملها. وفي مقابلته مع سول العربية للرجل، حدثنا حفظي عن بدايته ككاتب سيناريو موهوب ثم منتج فني متميز مروراً بالعديد من الإنجازات التي ساهمت في تكليل مسيرته بالنجاح.

 حين يكون الشغف حاضراً، يصبح من السهل أن تغير مسار حياتك إلى الأبد.. ربما كان هذا هو السبب الذي جعل حفظي يركض وراء حبه للسينما والمسرح، رغم دراسته لمجال مختلف تماماً، حيث  كان حلم السينما بداخله منذ البداية، ويقول : ” أثناء دراستي للهندسة في لندن كنت مهتماً جداً بالسينما والمسرح، وكنت أحب التمثيل منذ أيام المدرسة ثم بدأت أشارك في عمل المسرحيات في الجامعة، وبعدها اتجهت للكتابة، لأنني وجدت أنها الأمر الوحيد الذي يمكنني ممارسته بالتزامن مع الدراسة أو العمل “.

كانت بداية حفظي مع كتابة سيناريو فيلم “السلم والثعبان”، ربما لم يتخيل حينها ردود الأفعال لكن الفيلم حقق نجاحاً جماهيرياً كبيراً، بل وأصبح أحد أيقونات جيل الألفيات. يقول حفظي :” كتابة سيناريو السلم والثعبان جاءت بالصدفة أثناء دراستي في الخارج، ولم تكن لدي النية لاحترف المهنة بسرعة، وكان مكتوباً بالانجليزية وكنت أرغب في صنع الفيلم أثناء تواجدي بلندن بشكل مستقل تماماً، ولكن عندما اطلع عليه المخرج طارق العريان أخبرني عن رغبته بصنع الفيلم باعتباره ثالث أفلامه، حيث كان قد مضى 8 سنوات منذ إخراج آخر فيلم له، وبدأنا العمل معاً حتى ظهر الفيلم للنور، وهو بالطبع كان بوابة دخولي للمجال بشكل احترافي ولم أتخيل أن كل شيء سيتغير بعدها”.

رغم النجاح الذي حققه حفظي ككاتب سيناريو مُبدع له أسلوبه الخاص والمميز، إلا أنه قرر أن يقوم بدور أكبر من ذلك في صناعة السينما لتقديم أعمال متناسقة ومُحكمة ومتكاملة، يؤكد : “ظللت أكتب عدة سنوات حتى اكتشفت أن لدي رغبة حقيقية في التحول إلى عنصر في صناعة الفيلم، بمعنى كيف يمكن للسيناريو الجيد أن يكتمل ويصبح مُنتج نهائي نفتخر به وليس مجرد مشروع فيلم جيد”، يضيف حفظي بشغف كبير:” اكتشفت أن الإنتاج له دور كبير في تحول السيناريو الجيد إلى فيلم متميز، وأن المنتج له دور فني ولا تقتصر وظيفته على التمويل والتوزيع، وأردت أن اثبت لنفسي وللصناعة كلها خطأ مفهوم أن المنتج هو ممول فقط، ولما جاءتني الفرصة لدخول عالم الإنتاج لم أتردد، لأنني شعرت أنه بإمكاني أن أقوم بدور أكبر من مجرد كتابة سيناريو أو اثنين كل عدة سنوات، حيث كنت أرغب في المشاركة في إثراء صناعة السينما في مصر بشكل احترافي أكثر”.

النص أو السيناريو عنصر أساسي في أي عمل فني، ولكن السينما تحمل مفهوماً أوسع بالنسبة إلى حفظي، الذي أراد أن يمزج بين الموهبة والإدارة لخلق عمل فني متكامل، يقول حفظي: ” أفضل دائماً لقب المُنتج السيناريست، لكن لو تم تخييري بين الاثنين فهو المُنتج لأن طبيعة عملي حالياً أكثر في مجال الإنتاج، أما كتابة السيناريو فقد أصبحت أمر أتمنى القيام به لكن لا أملك الوقت الكافي له”… كعادة كل المبدعين، تتطلب الكتابة طقوساً خاصة من حفظي، ولكنها أصبحت أمراً نادراً الحدوث بسبب عمله في مجال الإنتاج الذي استحوذ على أغلب وقته،” افتقد عملية الكتابة نفسها، العزلة والهدوء الذي يمكن للكاتب أن يعيش فيه، لأن حياتي كمنتج تتطلب التواصل بشكل مستمر مع الناس ولم يعد هناك وقت للاستمتاع بالإنعزال مع نفسي، وأعتقد أن السيناريست حظه جيد في هذا الأمر لكن يمكن بشكل مبالغ فيه أحياناً”.

عند الحديث عن السينما المستقلة، لا يمكن أن نغفل عن ذكر حفظي، باعتباره من أهم صناعها وأكبر داعميها رغم صعوبة انتاجها،  كانت البداية مع إنتاج فيلم “ميكروفون” الذي نال عدة جوائز عربية وعالمية وأصبح نقله في مشواره الفني، حيث يقول:” بدايتي في انتاج الأفلام المستقلة كانت مع المخرج احمد عبد الله في فيلم ميكروفون، قبلها كنت قد أنتجت ما يقرب من 3 إلى 4 أفلام يمكن أن نطلق عليها أفلام تجارية أو جماهيرية إلى حد ما بالرغم من أن بعضها لم ينجح”… الأفلام المستقلة التي أنتجها حفظي ساهمت في ظهور جيل جديد من المخرجين الشباب، الذين تمتعوا بموهبة فريدة واستطاعوا أن يحملوا راية الأفلام المصرية في الخارج، مثل عمرو سلامة ومعتز التوني وأحمد عبدالله وغيرهم، يقول حفظي واصفاً تجاربه معهم:” نسبة كبيرة جداً من الأفلام التي صنعتها كانت لمخرجين جدد وهو أمر لا أخشاه، لكن من الضروري التأكد من أن المخرج سبق له خوض تجربة صنع أفلام سواء قصيرة أو وثائقية أو يمتلك بجانب الموهبة القدرة على قيادة فريق عمل وموقع التصوير والتعامل مع الآخرين، كما لابد أن يكون شخص عملي وطموح وواقعي في نفس الوقت،  وهي أشياء أفكر فيها دائما عند التعامل مع مخرجين جدد، لكن هذا لا يعني أنني أخشى التعامل معهم لأنني عملت مع أكثر من 15 مخرج جديد خلال ال15 عاماً الماضية التي أنتجت فيها”.

مجال الانتاج السينمائي ليس سهلاً على الإطلاق، فهي صناعة تواجه العديد من التحديات، ولكن مع خلفية جيدة كـكاتب سيناريو،والكثير من الخبرة بعد إنتاج أكثر من عمل، أصبح حفظي ملماً بمعظم الصعوبات التي يواجهها الانتاج الفني في مصر، يؤكد المُنتج الموهوب:”ربما أبرز المشاكل التي أراها هو عدم وجود وجوه جديدة بشكل كافي سواء أمام الكاميرا أو ورائها، وهو مع زيادة الطلب بسبب المنصات على المواهب والفنيين قد تسبب في تضخم كبير وجعل العاملين في المجال يضعون جداول للممثلين ولفريق العمل دائما، هناك حالة من الاستعجال ولا يوجد وقت كافي للكتابة ولتطوير السيناريو وبالذات في موسم رمضان نعاني من التسرع في كل شيء، الورق يتم كتابته على عجلة دون تحضير جيد، مما يؤدي إلى الكثير من التنازلات، وطبعا هناك مشاكل أخرى لكن ذلك أكثر ما نعاني منه حاليا”.

في عام ٢٠١٢ قدم حفظي تجربته الإنتاجية الأولى خارج حدود الوطن العربي من خلال مشاركته في الفيلم الإنجليزي My brother the Devil ، والذي حصد عدة جوائز عالمية، حدثنا حفظي عن تجربته المختلفة لانتاج عمل أجنبي، موضحاً :” الفيلم كان أول انتاج مشترك أوروبي وبالتحديد بريطاني مع المخرجة الإنجليزية من أصل مصري، سالي الحسيني، وأنا فخور جدا بهذا العمل، لأنه حصل على جائزة في مهرجان صانداس بجانب عدة مهرجانات دولية أخرى، وسالي الحسيني عادت من جديد بفيلم شارك في مهرجان تورنتو وهو The Swimmers، وهي مخرجة ستكون مهمة إن لم تكن كذلك بالفعل”.

 

ربما أكثر ما يميز حفظي كمنتج فني بين صناع السينما، هو قدرته على تحقيق المعادلة الصعبة في الموازنة بين تقديم الأعمال التجارية والأفلام المستقلة التي تطرح أفكار وتجارب لها طابع مختلف ومميز، حيث يقول:” كان هذا الأمر مهماً جداً بالنسبة لي، لأنني إذا لم أُنتج أفلاماً جماهيرية سيكون من الصعب علي دعم إنتاج أفلام مستقلة، وهذا التوازن يكسبني بعض القوة في توزيع وبيع الأفلام التي عادة من الصعب توزيعها وبيعها في الوقت الذي أقوم فيه بانتاج أفلام جماهيرية. لكل نوع معاييره الخاصة لكن هذا لا يمنع الرغبة في إيجاد سيناريو يكسب الجوائز في المهرجانات ويكتب عنه النقاد بشكل إيجابي ويستمتع به الجمهور ويحقق إيرادات عالية، وهي معادلة صعبة لا نجدها تتحقق دائماً”.

شركتة “فيلم كلينك”، كانت الكيان الذي استطاع حفظي من خلاله أن يحقق شغفة بانتاج أعمال فنية المتحكم الرئيسي فيها هو الإبداع فقط، ويقول حفظي عن سبب نجاح شركته:”  فيلم كلينك اعتمدت على مواهب مختلفة في الكتابة والإخراج، حيث قدمت العديد من المواهب الجديدة واحتضنتهم، وكانت مهتمة أيضاً بالتواجد في الساحة العربية والمهرجانات العالمية وحتى المشاركة في مشروعات دولية وليست مصرية فقط، فهي شركة تعتمد في الأساس على تطوير السيناريو وتحاول الوصول إلى مستوى عالي جداً من الجودة الفنية في كافة عناصر الفيلم، وبعيداً عن النجاح التجاري الذي نسعي إليه بالطبع، نعلم أننا ننتج بعض الأفلام ذات الجمهور المحدود لكن لها جمهور يقدرها وأفلام أخرى نحاول فيها كسب أكبر قطاع ممكن من الجمهور سواء في مصر أو الخليج”.

تُلاحق بعض أعمال حفظى العديد من الأزمات كما اشتهرت بأنها مثيرة للجدل، كان آخرها الأزمات التي حدثت بعد عرض الفيلم الأردني (أميرة) للمخرج محمد دياب وفيلم (ريش) للمخرج عمر زهيري، ولأن الانتقادات جزء أساسي من العمل في هذا المجال، يتعامل حفظي معها من منظور مختلف، حيث يؤكد: “أنا معتاد على الانتقادات بالطبع لكنها ازدادت في السنوات الأخيرة وربما أحد أسباب ذلك هو زيادة عدد الأفلام التي أنتجتها في أخر عامين، وأعتقد أن السوشيال ميديا عامل آخر في زيادة الانتقادات فكلما زادت ساحة النقاش كلما كان مسموعاً أكثر وعرضه لاستغلاله للتعبير عن الآراء التي يكون التعبير عنها أحياناً بشكل فيه نوع من التوتر أو العدائية، ويكون أكثر تأثيرا عندما يصدر من مثقفين أو العاملين في المجال، أو حتى من سينمائيين الذين يعترض بعضهم على الأفلام مُعتبرين أنفسهم رقباء أو لديهم وصاية على المجتمع أو ادعاءً للوطنية. ولا أعتقد أن هذا دور الفنان أن يزايد في وطنيته أو يحاول المنع أو أن يكون رقيباً على حرية إبداع الآخرين”… ويضيف حفظي :” اكتشفت أن سقف التعبير في مصر أصبح أقل بسبب السوشيال ميديا، في النهاية نحن لا نهدف لإثارة البلبلة بل نحب العمل في هدوء، فأنا لا أرغب في صنع أفلام تخلق حالة من الجدل بل أرغب في تقديم أفلام بسيطة يقدرها الجمهور وتسعد من يشاهدها وتحرك مشاعره وتجعله يفكر، وفي نفس الوقت أنا مؤمن أنه بجانب كون الفن رسالة فهو ترفيه لابد أن يكون فيه بعض المتعة، لذا أنا تعودت على الانتقادات وأحاول التعامل معها بموضوعية ودون خوف أو قلق، لكن الموضوع زاد في الفترة الأخيرة وتسبب في إزعاجي”.

إلى جانب نجاح شركته، حقق حفظي العديد من الإنجازات في مسيرته السينمائية خلال السنوات الماضية، بينما يؤكد:”بالنسبة لي، أهم إنجاز في السنوات الأخيرة هو رئاستي لمهرجان القاهرة السينمائي، وتمكننا من الاستمرار وصنع مهرجان ناجح وجعله أكبر من حيث النشاط والسوق وملتقى القاهرة السينمائي وأيضا تقديم دعم كبير للمشروعات السينمائية والفنانين ورؤساء لجنة التحكيم المهمين الذين استطعنا استضافتهم على مدار 4 أعوام، وأعتقد أن هذا هو أكبر إنجاز قمت به”.

يُعد حفظي أصغر من تولي منصب رئيس مهرجان القاهرة السينمائي، ويقول عن تقييمه للمنافسة بين بينه وبين المهرجانات العالمية الأخرى:” مهرجان القاهرة السينمائي يصنف فئة أ وهو ما يضعه في مقارنة مع مهرجانات كبيرة مثل كان وبرلين وفينيسيا ولوكارنو، وبالطبع يسلط الضوء على تلك المهرجانات طوال الوقت لأنها تقدم سينما ومخرجين جدد وتلعب دور هام في صناعة السينما في المنطقة المتواجدة فيها. أما مهرجان القاهرة فقد مر بأوقات صعبة نتيجة ظروف المنطقة والبلد لكنه يستعيد بريقه، هو لم يفقده أهميته لكن فقد جزء من تأثيره الذي كان يتمتع به في الثمانينات والتسعينات ليس فقط محليا بل وعربياً وكان له صدى عالمي، ربما ضل طريقه نتيجة التغييرات الكثيرة في إدارته كل فترة و إلغاء دوراته أحيانا بسبب الأحداث السياسية، لكن مع استقرار إدارته ودعم الدولة ومشاركة القطاع الخاص والشركات الكبرى واهتمام صناع السينما في العالم العربي وبقية العالم بدأ المهرجان في السير بالاتجاه الصحيح وأعتقد أن الدورة المقبلة بقيادة الفنان حسين فهمي ستكون جيدة جداً”.

أتاحت المهرجانات العالمية لحفظي فرصة كبيرة لمشاهدة أنواع مختلفة من السينما والتعرف على ثقافة الشعوب، حيث تم اختياره مؤخراً كرئيس لجوائز شاشة آسيا والمحيط الهادي ، كما انضم لأعضاء لجنة تحكيم جوائز Emmy الدولية للأعمال غير الناطقة بالإنجليزية، لعام 2022، ويقول عن هذه المشاركة:”سعيد بانضمامي للجنة تحكيم جوائز إيمي الدولية إلى جانب كوني عضو بالفعل في أكاديمية الأوسكار، وهي فرصة لصنع شبكة علاقات والاطلاع على صناع سينما ودراما من أنحاء العالم كله، وكذلك مشاهدة أفضل انتاج العام من أفلام ومسلسلات سواء من خلال العمل مع إيمي أو الاوسكار، اللذان يحاولان أن يصبحوا أكثر دولية من خلال ضم أفراد من جنسيات متعددة ورواد صناعة السينما في القارات والدول التي تنتج افلام ودراما. ويمكنني القول إن تجربة لجنة التحكيم كانت تجربة غنية بالخبرات وساهمت في توسيع رؤيتي من خلال التواصل مع أعضاء من دول وثقافات مختلفة والحرص على نقل الخبرات المكتسبة إلى مصر بما يساهم في تواجدها على الساحة العالمية بشكل أكبر”.

السينما هي القوى الناعمة الأكثر تأثيراً في النفوس والعقول، ومن خلالها أراد حفظي أن يقدم تجارب متنوعة وفريدة تبقى في الذاكرة إلى الأبد، وفي الفترة القادمة يستعد المُنتج والسيناريست الموهوب لانتاج عدد من الأعمال الجديدة، يقول:” بدأنا بالفعل الإنتاج في فيلمين هما، هجّان وهو ثاني فيلم روائي طويل للمخرج أبو بكر شوقي بعد فيلم يوم الدين، الحائز على جائزة مهرجان كان السينمائي، وأيضا فيلم Voy Voy Voy الذي يشارك في بطولته كل من محمد فراج ونيللي كريم، كما تم اختيار فيلم ١٩ بي لتمثيل مصر في المسابقة الدولية بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي”.

 

Amira Shawky
+ posts

© 2023 SOUL ARABIA. ALL RIGHTS RESERVED

Subscribe now to get notified about exclusive offers from Soul Arabia every week!